
نحتاج في وقتنا الحاضر إلى فهمٍ عميقٍ لسنّةِ التكامل؛ فإن في فهمها الخيرَ الكثير، وفي ترك فهمها وعدم القدرة على استكشافها الشرَّ الكثير؛ فإن فهم سنّة التكامل يجعل أصل الخلق عند المسلم هو التكامل وليس الصراع. ولذلك يفهم العلاقة بين الذكر والأنثى على أنها خُلِقَت للتكامل، بخلاف التوجّه الذي يدعو إلى أن الأصل هو الصراع، وأنه يجب على المرأة أن تُصارِع الرجل لتحصل على حقوقها، وأن المحكوم يجب أن يُصارِع الحاكمَ للحصول على حقوقه، وأن الإنسان يجب أن يُصارِع الكون حتى يحصل منه على منفعته، على ما استقر في الفكر الإغريقي من فكرة صراع الآلهة وانتصار الإنسان في النهاية عليها.
وفهمُ سنّة التكامل لا ينفي حدوث الصراع أو إمكانية حدوثه ووقوعه، ولكن هناك فرقًا بين أن نجعله أصلًا للخلقة لا يمكن الفرار منه، وبين أن نجعله حالةً عارضةً يجب أن نسعى لإنهائها حتى تستقر الأمور على الوضع الأول الذي خلقه الله.
هذا التكامل هو الذي يفرّق – عند فهمه – بين المعنى الروحي للجهاد في سبيل الله وبين الحرب التي تُشَنّ هنا وهناك لأجل المصالح والهيمنة والاستعلاء في الأرض والفساد فيها أيضًا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء: 12].
وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
وقال تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]..
